الأحد، 22 يناير 2012

أوراق رمادية


الجميع في عجلة من أمره . إنها تقارب السادسة والثلث صباحا" والشمس لم تزل متكاسلة في الإشراق . البعض يخرج من المسجد وهو يمنّي نفسه بغفوة يسيرة ، والبعض يتجه إلى حانوته ، يأمل برزق جديد ، في يوم جديد ، وبعض من شباب حالم لا همّ له إلا البحث في جميع الأماكن طيلة الليل ، عمَّ ؟ هو لا يدري تراه وأقرانه يجوبون شوارع جدة الجديدة في الحمراء وعلى الكورنيش في شارع التحلية ، هم لا يعلمون لِمَ ؟ والمهم عندهم قتل الوقت ، فهم يعانون أكثر من فراغ ، هم يعانون من نضوب فكري . والجميع مسرعون إلى حيث لا طريق ذو هدف ، إلا سيارة بيضاء في أعلاها نور أحمر اللون ، يسطع . ليعلن للجميع وهم في غفلتهم ساهون و بوضوح تام ، بأن على متنها ضيف ليس له أن يقرر سرعتها والشوارع التي تعبرها كي توصله إلى مآله الأخير . مقبرة أمنا حواء ، والتي سيزف فيها ربما إلى حورية منتظرة أو مآل آخر من عالم مجهول الصمت فيه أشد هولاُ مما يليه .
كم هي عجيبة هذه الحياة ، فالجميع مسرع ، وهناك لحظات لا يشعر بها إلا من يتذكرها . لهفة عارمة تدفع الناس إلى تجاهل الألم ، وإن كان هذا الألم هو عصب الحياة ، نبض غير سعيد يدفع الكثيرين للهروب إلى الأمام كي لا يعيشوا وَجَعَ المعرفة ، وألم الحقيقة ، بعضهم يهرب إلى الانشغال بأسواق المال وتأثيرها المزدوج َ، عَمَارٌ وخَرَاب ،فهذا المَعِيٌّ قنّاص للفرص يعرف كيف تؤكل الكتف ، تُغدَقُ عليه كلمات الثناء ،وذاك مُقَصِّر في النباهة والحرفية والسرعة ، إلى ما هنالك من أوصاف الخيبة والكسل
الجميع مسرعون ، إلا سائق السيارة التي تسير الهوينة ، يتحدث قائدها بجهازه المحمول مبتسما" حينا" ومقطبا" حينا آخر . ربما مع صديق ، أو ربما مع زوجته يتلقى منها الأوامر والطلبات ، أو ربما مع صديق . المهم أنه لا يفتأ يتحدث وقد بدت ملامح القسوة نتيجة التَّعَوُّد أو نتيجة بجهله المطلق لأهمية الحدث . فهو لا يدركه ولا يعرفه ، كآلة صماء لا يعرف إلا طريقين . إما إلى مغاسل الموتى التي يعمل فيها ، أو إلى المقابر ،دون اكتراثٍ بالمسجى داخل العربة .في رحلة باتجاهٍ واحد . وهاهو قد وصل ، إنه ينزل مسرعا" ليفتح الباب الخلفي لعربته ، ينظر بِطَرفٍ خفيٍّ إن كان هناك من المشيعين المنتظِرين من تظهر عليه علامات الوسامة والترف ليقول له معزيا" ومؤكدا لسجايا الراحل العظيم وهو لا يعرفه . لعل ذلك يترك أثرا"يتحول إلى بعض الجنيهات منهم .
ويسارع القوم في حمل المتوفى ، ليس على كرسي فخم مثل كراسي احتفالات التنصيب . إنما على نقالة متهالكة لا تلبث أن تلقى أرضا" لينام عليها واحد من عمال المقبرة .وفي الخارج هناك مقهى شعبي صغير . البعض يحتسي الشاي ، أو البيبسي ، والبعض ينتظر حسنة من أهل المتوفى الذين سيخرجون من المقبرة بعد قليل من الوقت .
وفي الجانب المقابل تتحرك العربة بسرعة واضحة ، لعل أن السائق لم يًكرَم . أو أنه يوجد من يحثه على الوصول بسرعة كي ينقل متوفى آخر . أو لكي يحمل الفطور للعاملين ، أو لأن الحبيبة في انتظار تملؤه اللهفة . ويدير مفتاح المذياع لينطلق صوت بعيد عن الحدث ، إم بي سي . هواها خليجي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

أحمد عاصم آقبيق
جدة في 22/01/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق