الجمعة، 29 يونيو 2012

ولا زلت اعيشها

وكنا نعبر حقول القمح من خلال سنابلها الباسقة ، بملء قوتنا ، وكانت تسبقني ، أو هكذا كنت اتصنّع فيفترُّ ثغرها عن ايتسامة ممهورة بخاتم الروعة . وكنت أرى السعادة في عينيها ، وهي تردد ألم أقل لك بأنك لن تسبقني فانا الأولى دائما" ، مع أني كنت ألمح في عينيها حزنا" عميق حين كنت أتجاوزها ، فتتصرخ بي وهي ورائي ، لا ، لا أقبل أنت غششتني حين قلت لي تمهلي قليلا كي أتحدث إليك . فسبقتني .


كنا نركض ، نفتح ذراعينا قدر استطاعتنا ، نحاول أن نحاكي ارتفاع نسرٍ يجوب عنان السماء ، حتى تنقلب محاكاتنا تلك إلى حلم نتيه به فتنقلب الحقيقة إلى خيال . ولم أكن لأعلم بأن الأيام الجميلة شحيحة ، وأن القدر من طلعه عدم الثبات ، ولم أكن باني سأفتقد بسمتي ذات يوم ، فأيام الهناء . لا تدوم .

قالت : بل بك من شيء ؟ قلت وإمارات الحزن تطبع آثارها على ُمحّياي : لا . فقالت بل بلى . واحتضنتني وارتاح رأسي بين الجيد والترائب . وضعت في عالم سحري من عطر شذاها



وكنا نركض بملء قدرتنا ، نعبر حقول القمح الذهبية ، في وقت تكون فيه الشمس فتيّة ، لم تسطع لتترك بصماتها على وجهينا .وكنت أجلس معها دقائق ، كنت أحسبها دهورا" طويلة ، اترك في خلالها أترك يدي تتسلل إلى مكان يدها وهي تستند برأسها عليها ، كي أتحسسها ، ثم أضع رأسها على صدري ، أهدهده ، كطفل أريده أن ينام . وكنت أنظر في عينيها وكأن قلبي ينبئني بأن سعادتي لن تدوم .

قلت لها ذات مغيب ، وقد ألقت أو كادت الشمس أن تلقي ستائرها على كل نور ، ونحن نجلس أمام جدول صغير يخترق الحقول ، خريره سعادة عمر ، وانسيابه حنان يبحث عن حنان ، بلهفة وترقب: هل ترى تطنين بأن سعادتنا ستبقى لنا كبسمة للزمان ؟ أجابت بعفوية : طبعا" ما دمت معك . وانتهى موسم الصيف ، وكررنا لقاءنا في اليوم أكثر من مرة . وحان وقت الرحيل .

كنت أنظر إليها وهي تركب المقعد الخلفي للعربة . كانت دموعها تنسال على خدودها وكأنها تقول : وكيف تخبُ النار في مقلتنينا .

وغابت في الطلرق الطويل .

وفي صبيحة يوم غير ببعيد ، وأنا أمشي في ذات الطريق الذي تفتحت به أزاهير حبنا ، رأيت صفحة جريدة تتقاذفها النسمات . أمسكت بها ، وإذا بخبر يقول : ( تم الأمس زفاف نجل السيد …… ، على كريمة الوجيه …… ) .

وسقطت الصحيفة من يدي .

الحبُّ غنّانا فأسعدنا

حتى إذا اللحن هَزَّ القلبَ أبكانا

يامن أراه لقلبي واحدا أبدا"

لا أرتجي غيره في الكون إنسانا

يامن حفظت له عهد الهوى أبدا"

هل أنمت باقٍ على ودّي وذكرانا

أم استحلتَ على الأيام ِ نسيانا.

إن غبتَ عني طول العمر مغتربا"

فَوِدُّ القلب.

باقٍ ، حيثما كانا .





أحمد عاصم آقبيق

228/06/2012م

الخميس، 28 يونيو 2012

وقالت . . .






وقالت : أنا لن يستطيع ملوك الأرض وجبابرتها ، ولا عامة الناسِ ، الغنيُّ منهم والفقير ، أن يكرهونني على أن أنساك .

فأنتَ المنى ، وأنتَ الحبور ، وأنتَ الرضا ، وأنتَ الحياة ، و دمعة الشوق عندي ، وأنتَ بوحُ الروح مني ، وهمسات جَناني ، فَلساني إن تحرَّك بِذكرٍ فباسمَك، ومشاعري إن شاركتِ البسمةَ جمالَها فمن أجلك ، وأنت النعيمُ ، وأنت الأمل ، وأنتَ الجمالُ وأنت البهاءُ وأنت الرُّؤى .



وقالت باسمة ً، كأنها لم تترك فرحةً إلا أحضرَتها : اقتَرِب مني ، ومنيَ أكثر .

واقترب أكثر وأكثَر ، حتى استمعُ إلى نشيدِ الخلودِ تنبعثُ َنغَمَاته من خفقاتِ قلبك ، والتي تغنّي على ألحانها مخاوفك التي لا تقوى على البوح :

لماذا أنا؟ ولماذا تَعَمّدتني ، و وضعتني في مكامن النور والضوء؟

ولماذا أنا ، ومن أنا ، وكيفَ لي أن أقفَ لأنظرَ في عينيها ، وتداعبني الأماني وأنا أسمعُ نَداوَة همسِها ، وأنا أتحرّق لِلَمسها ؟ ومن أنا حتى أقترب منها ، وأتقرَّب إليها ، ألكي أريها خوفي وخضوعي ، وريبتي وشكوكي ولماذا أنا ، وأنا أعرف من أنا ، ومن أكون ، وهيهات ، هيهات أن تتساوى مواقع النجوم ، مع مواقع التراب الذي يملىْء البوادي والوديان .



يومذاك . اقتربت منها ، ونزلت سريعا" ساجدا" أقبل موطأ أقدامها على التراب ، أعفّر وجهي بآثار مشيتها عليه ، وطلبت مني أن أقف ، بينما يد حانية تربت على كتفي ، ويد أخرى تمتد كي تمسك بساعدي كي نعينني على الوقوف .

وتلتقي العينان ، وأدركت بأنني في تلك اللحظة ، أعطيها جميع أوراقي وكلّ عناويني . وتطيل النظر العيون ، وتظمأ الشفاه للكلام ، ويبوح قلبينا بكلام ، وما أحلاه من بوح وكلام .

لم أقل شيئا" ، إنما تاهت العيون في بحر اخضرار العيون .

ولامست الشفاه الشفاه .

َوسَادَ صَمتٌ.



وقالت .......





أحمد عاصم آقبيق

28/06/2012م

الأربعاء، 27 يونيو 2012

وَشَـدِّدي . . .




مُرِيهم بأن يُشدِّدوا على وضع القيود بمعصمي . ، فلقد عشِقتُ العبودية منذ الدقيقة التي وقع ناظري على صورتك التي اختلطت بدمي وتسرّبت إلى شراييني ، فكان كلُّ ما عداها أمرٌ غيرَ ذي بال ، . وكرهت أن أكون حرّاً ، في القرار، وفي المآل ، وفي الحلِّ والترحال ِ فمآلي هو أنتِ ، وبغيتي هي أنتِ .وتوجّهي هو إليك و لا فرق عندي أن تختلف الأمكنة والاتجاهات ، طالما أن جميع أحوالي تنبعُ وتصُبُّ جميعها عند قدميك .أنتِ ، لأنك أنتِ .

إني برحيلي وأنا الذي لا يحب السير في الظلام ، إنما أفعل لأرى هل تتبعني الشمس لتنير لي عتمة الطريق ، فأجد أنني أعود أدراجي عاتبا" عليها ، لأرى جوابها قد سبق استهجاني : إنك لست الوحيد الذي لا يستطيع الهجر والابتعاد ، وكيف افعل ونوري من عندها ، وضيائي لأجلها ، وأنا هي والنور الذي يضيء للناس نهارهم ، بعض من خيوط جمالها . فلا تعتب ، فأنا اخترت ، وكرّست اختياري .



وشددي على معصمي ، واجعلي الدماء تنزف بغزارة فأنا أحب أن أرى دمي مراقا" يلوّن أساور السر التي أهديتُها ، لتكون وشما" لا يفارق ناظري ، لكي أعيش في الذكرى يوم تعلق الفؤاد بمرآك فأصبحت بغيتي ومرامي ، فأضعتُ نفسي ، ووجدتك أنت بدلا منها .

وشددي على أسري ، عذبيني ، نكّلي بي ، فأنا أجد في أسرك لي خلاصي ، وفي تعذيبك لي كل راحة لي ، وفي تنكيلك بي ذوبانُ حالٍ في حال ، واضمحلالُ لعاشق في معشوق .



وأحبك بعدد قطرات الندى ، وأنت الندى ، ومنبعه أنتِ .

وأتوق إليك يقد شوقي لأن تكون عيناي مُحوِّمةً أبدا على عينيكِ .

وأهوى فيك الحنان ، وأنت منبع الحنان ،

وأحبك .

وشَدِّدي .





أحمد عاصم آقبيق

جدة 27/06/2012م

الأربعاء، 13 يونيو 2012

هيلاري الحزينة ، هيلاري المتأسفة ، ومكيالين




طلعت علينا السيدة وزيرة الخارجية الولايات المتحدة الأمريكية ،

بنزعاتها الإنسانية التي تحن لها قلوب الصخر الأصم ، مستنكرة على ، وساخطة من . أما الأولى فمستنكرة الأنباء التي تداعت إلى أسماع دائرة الرصد والجاسوسية العالمية وكالة الاستخبارات الأمريكية ، من أن روسيا زوّدت النظام السوري بمروحيات متقدمة الصنع . أما سبب الاستنكار فالخوف من أن يستعمل النظام السوري هذا السلاح لقصف الشعب السوري .

أقول عجبا" . أما تسمية الجمهورية العربية السورية ، فلقد اختصرت إلى ( نظام ) ،إمعانا " في إضرام النار في الموقف العالمي المتآمر ضد سورية العربية ، ليزيد من أوارهِ ويمتد أكثر ليحرق الزرع والضرع . ولا يهم من يموت ومن يحيا من الشعب العربي السوري ، طالما أن الاعتداء سيقع على سورية وشعبها بتأييد من بعض أذناب الاستعمار من الحكام العرب ، وبمباركة دول غربية بعينها ، وكلا الجانبان معروفان . والسبب وجيه جدا" وهو حماية الشعب السوري من تنكيل السلطة الحاكمة ، والجيش السوري . أو يصدّق عاقل ذلك؟



أقول من يعيش رجبا" ، يرى عجبا" ، ألهنا بلغت السخرية بالعقل الإنساني ، والعالمي . ألهذه الدرجة من الحقارة والدونيّة ، يطالب العرب وعلى رأسهم أمين عام جامعة الدول الرجعية ، ومعه مجلسها الموقر. ورئيس المجلس الثوري السوري ولا يهمني أبدا" صحة اسم هذه المنظمة التخريبية المتآمرة أن يتحدوا جميعا"ضد سلامة وسيادة الوطن السوري بنظامه وأرضه ، ودعم دعواهم كما يقولون وبتأييد دولي . إلى ضرب الجمهورية العربية السورية ، تحت مفهوم البند السابع كي يعطوا الغطاء الشرعي لتلفيقاتهم وحقدهم .



السيدة وزيرة الخارجية الأمريكية والعازفون العرب في جوقتها نسوا أو تناسوا بان الولايات المتحدة الأمريكية ، رأس الشيطان الأكبر لا زالت الشريك الأكبر والراعي المنظّم لكل مؤامرة تحاك ضد الأمم التي تتمسك بدعواها إلى السلام والحرية وعدم التبعية لأحد . ونسوا بأن الولايات المتحدة الأمريكية لها في كل خراب يقع ، يد وباع . ونسوا بأن الولايات المتحدة الأمريكية زودت بعد حرب الثلاثة والسبعين ، العدو الاسرائيلي بمروحيات مقاتلة ، لم تضرب الجبش المصري ، إنما ضربت مدرسة أطفال في بحر البقر ، ليستشهد الكثيرون منهم جاء ذلك . نسوا بأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لازالت ترسل طائرات لها بدون طيار ، لتضرب بها القرى الأفغانية المسالمة ، وفيها نساء وأطفال ، وشيوخ ، بحجة مكافحة الإرهاب .

وأخيرا" لا عجب ، ولا عجب من كانت سياسته هكذا أن يتآمر لضرب التراب السوري ، وإسقاط الحكم الوطني فيه .

لا عجب من أن تغضب الحكومة الأمريكية من تزويد الجمهورية العربية السورية بالسلاح .



أحمد عاصم آقبيق

13/06/2012

وَنَسيتُ أنها حبيبتي


خُلِقَت ، منذ الأزل .تخفيها الأيام عني ، تحبِسُها في خفاء، تحنوا عليها ، لتَرعاها ، وتكُبرا معا"، لِتَشيخَ الأيامُ ، ولتبقى حبيبتي ، طفلة في ناظري ، ثم صبيّةً جميلةُ أتفرَّسُ بها ، أحلم بقربها ، أشتهي أن أمسَّها وألمسَها وأعشقُها ما دامت فيَّ روح .

ونَسَيتُ أنها حبيبتي ، وتبّاً لتلكَ الأيام التي سَرَقتني منها ، أعمت عيوني كي لا أراها ، شغلت فكري فَسَلَوتُ عنها ، ثم عشتُ لغيرها ،مع أنها كانت ترسل لي بلغة الحروف ، تدعوني إلى الحب ، دون بوح ، وباشتياق .



وهكذا السنوات ، كانت في أقصى المشارق ، وأنا في الغرب البعيد . كنتُ أناديها كل يوم من خلال عشقي الأنثى ومن قديم الزمان ، كنت أهاجمها أحيانا"، كنت أحاربُ ذكراها ، وإذا أجِدُني ذات يوم أعود لها ، لأحبها ، لأعلم متيقنا" بأن العتاب ليس كُرها"متأصّلا" لها . وأعني عشت انتظارها ، رغبتها ، قولها الآهَ بصمت ولأني عشت أنفاسها التي قلبت كياني فحالته إلى حروف غزل ، وكلماتُ وِصال .وآهٍ ثم آه ، على تلك الأيام التي أَضَعتُ ، فضاعت مني ، ثم أضاعتني .

وَنَسيتُ أنها حبيبتي ، خلِقَت منذ الأزَل من ألي ، أنا ، كي تبقى معي ، وليفتي ، حبيبتي ، روعة الاطمئنان في حياتي . َيراعي الذي كتب عنها منذ زمن طويلٍ طويل . يناجيها ، يتوق إليها ، يرعاها ،

ويحكي لها قصةُ هُيام بها ولها وحدها .

وكيف أنسى أنها الحب عندي ، وأنها الأمل عندي ، وأنها مناجاتي ووشوشات حبي . كيف أنسى وهي التي مدت يدها الحانية لتحتوي كهولتي ، تنتظرني ، تودّ عودتي لتعود روعة ابتسامة ثغرها لتحكي لي بأنها ترغب بي ، وأنها لا زالت تهواني كما كانت من قبل ، ولن تحيد



هي حبيبتي ، لم تعد وهما" ، بل هي حبا" يواعدني ، هي شوقا" يكابدني ، هي مهجة القلب عندي ، أعيش فيها أبصر منها ، وأضع الأماني كي أصل إلى أعتابِ سُكناها ، أنحني بأثقال السنين والأيام. أنظر لها نظرات متلاحقات ، بعين مُرِيدٍ وعاشقٍ وشَغُوف .

فيا من أنستني نفسي فأحببتها حبا" ليس له ابتداء وليس له انتهاء ، هل تشعرين ببعض ما أعيش ؟ هل تحدثكِ دقات قلبك بان هناك في البعد السحيق ، على شاطىء البحر عند الغروب عاشقٌ متيَّم بك ، يناجي ربه شاكرا" حامدا" أنه خلق الأرض وجعل فيها زينة تزينها . وزينة سماواتي وأرضي هي أنت ، يا وردتي البيضاء ، يا من أحببتك وكتبت فيك ولكِ ، ولجميع العاشقين أبجدية حب لا تزول . تدوم وتدوم ، حتى ولو انتهت دقائق عمري

وأحببتك ، . مالكتي



أحمد عاصم آقبيق

الأحد، 10 يونيو 2012

وفي اثناء المسير ، يا رغداء

وفي أثناءِ المَسير ، يا رغداء




وكنت أتعمّدُ السير معها ، فلقد كان طلبُ والدها من أبي في أن أوصلها إلى بيتها في قريتهم المجاورة ،بعد المدرسة كل يوم امر لي واضح . ولقد كنا يافعين ننظر إلى كل شيء بلون وردي ، وكنت أزيد على ذلك ولو من باب مديح كاذب ، حكايات عن تصارع شخصي أصوِّره على أنه أمرٌ خطير ، مع أبناء القرى المجاورة ، ردا" على انتقاد ، أو تباهٍ أمام فتاة، بغية لفت نظرها والاستحواذ على اهتمامها .

كنت أتعمد أن أبطىء المَسِير ، كي أجعل بداية مشوارنا في الهزيع الأخير من عصر اليوم . حيث كنت أعلم بأن البنات يَخَفنَ أكثر من الفتيان عندما يسرنَ عبر البساتين والأودية خاصة حين يكُنَّ فرادى وخاصة إذا كان الجوُّ جوّا" خريفيا تكتنفه الكآبة ، وكنا نسير الهُوَينا ، أحمل لها ما أحضرته من الكتب والكراريس ، نضحك حينا ، نغني حينا" ، نحكي بعضا" من نكات تخرج عن المألوف أحيانا" كنا بعدها لا نتكلم لدقائق خجلاً .

كنت أترجّل القوة والسيطرة فأنا رجل ، وقيادة الركب عادةً ما تكون للرجال . وكنت أتعمَّد جذبها من ذراعها نحوي ، لأعيش شعور ملامسة ذراع رجل لبعض من ثدي امرأة ، يساعدني في ذلك استئذان الشمس للرحيل ، وإسدال الليل بعضا" من ستائر الظلام على المكان ليتيح لي ويساعدني على جعل حلمي َ ذاك ، أمرا" واقعا".

كانت تسير مسرعة أحيانا" ، تتعثّر بوعورة الطريق ، لتتكىء عليَّ حينا" وتنشب أصابعها في ساعدي ، في محاولة لاستعادة توازنها المهتزّ ، وكانت تتوجّسُ من أصوات ما يخرج من حيوانات في الليل . وبينما كان الوضع كذلك سحبت يدها من على ساعدي وجذبتها إلى أمامي لنصبح متقابلين ، ووقفنا حائرين ، كل منا مشدوهٌ بالآخر ، وكان هنالك حديث من نوع جديد ، شوق وجوع تعبر عنه عينان والهتان ، ورغبة جارفة أذنت للشفاه أن تغفو على الشفاه في استراحة مُحارِبٍ متعب . ومسكت يدها ، فأدركت أني أريد من ساعداها أن يلفّا جسدي ،لأُجذَب بما بقي من قوة فيها إلى صدرها ، لنغفو كلانا في صدر كلينا .

عند ذاك ، تذكرت بأن هزيع الليل الأول بنجومه وأفلاكه ، وطيوره وكل حياة فيه يشاهدوننا . وتذكرت حكايات جدتي عن أن بنات الجنّ يؤذين كل من يسير وحيدا في الليل عبر البساتين والحقول ، أو يفعل شيئا" غير مألوف ، وابتعدت عنها .

قلت لها : هل أنت خائفة يا رغداء . لم تجب وهزت كتفيها علامة النفي ، ثم قالت : سحرتني اليوم كما لم يسحر رجل امراة قبل ذلك ثم أردفت قائلة بصوت خفيض ، لقد أذقتني عالما" من السحر لم أتذوقه من قبل , لقد تعمَّدتَ لأن تسكن الفؤاد ، ولقد تعمَدتُ أنا أن أساعد على ذلك .

صوتٌ عالٍ خشنٍ بلهجة قروية قاسية ، يصيح من قريب غير بعيد : من هناك؟ . وعرفت أننا وصلنا . وأخذت بيدها ، وقرّبتها من شفتايَ لألثمها بنعومة حرير ، ثم قلت لها : ما دمت أني وصلت إلى قلبك ، أحب أن تستَمعي إلى ما يسكن في جوارحي من كلام

قالت ، وما هو :

قلت : أحبك يا رغداء .

وقفلت عائدا" ونسيت عشقي لأن غناء" من نوع آخر بدأ يظهر .وكنت خائفا" من عتمة المسير ، أشُدُّ على عصاي الكبيرة . وأتعمد أن أطرقها على الأرض ، لأفهم المجهول ، أني هنا .

وكنت أتعمد تقليد حارس القرية حين يقول بصوته القوي المرعب : ها . من هناك .

ووصلت رغداء لبيتها . ولا زلت أنا في مَسير . …





أحمد عاصم آقبيق

جدة في 10/06/2012م

السبت، 9 يونيو 2012

هكذا نساء ، أو لا اعتزّ بسيدة ماجدة فاضلة ، ربَّت أجيال متتالية ، فغدَوا شبابا" وصبايا ، آباءً وأمَّهات صالحين فاعلين لإنتاج حكمةٍ وأثر يخدم مجتمعهم . لهذه السيدة الماجدة أيادي فضلٍ وآثار نفع ، لأنها استطاعت أن تؤسس الفضل والخلق الرفيع ممتزجةً مع الفباء العلم والأدب والتأريخ والمعارف الأخرى . فبذا استطاعت مزاوجة التربية والترفَع والعلم والمعرفة .فنشأ من تأثير ذلك النبوغ العلمي ، والسموّ الأخلاقي . أنحني احتراماً وإجلالاً للسيدة التي قيل فيها : من علمني حرفا" كنت له عبدا" ، الماجدة الألمعية معلمة الأجيال : حليمة الأوسطة . ابة صيدا اللبنانية التي انتشر عطرها وروائها فلم تستوعبه الحدود ، ففاض إلى الجوار . وههي الان قد تجاوزت مرحلة التعليم لتجلس في هدود تسترق من الوقت أجمله لتكون سميرة الجميع . تحية إكبار واعتزاز ، لابنة صيدا مع انحناءة احترام وتبجيل وافتخار بأنا عرفنا فيها العلم والأدب والرفعة والدين والعروبة . تحية مودة ممزوجة بمحبة للسيدة الماجدة حليمة أوسطة إمرأة تفتخر بها بلادي . وتحية محبة للسيدة الفاضلة منى الغريب التي عرفناها من نافذة شَرَّعتها لتوزع منها الحكمة ولذيذ المقال ، والحب والولَه مقترنين برزانة ووقار ، مع رسالة عثلويَّة المفهوم مفادها بان الحكمة تؤتي لمن جدّ في التعلّم والتحصيل ، واستفاد من تجارب كثيرة اقتطفها من هنا وهناك ، حتى وصل إلى درجة العطاء . تحية لحالة من الطَّرح المتجدد الخلاّق ، أبدعتها ملهمتنا السيدة الشاعرة منى الغريب ، التي عرفناها باسم نور الحرف ، فكانت لنا نورا" يضيء لنا دروبنا بقلمها البارع الذي إن كتب عن الحب جعلنا نهيم في دروب من الذكريات ومع من أحببنا ، وإن كتب عن المجد جعلنا نستحيل غلى علماء ومفكرين وشعراء وفقهاء ادركوا عظمة دولة بني أمية ، وازدادوا ثراء" ورفاهية وكأنما عاشوا في دواوين وقصور دولة بنو العباس . انوّه بهذه الصفحة الرزينة التي كانت نتاجا" لتفكير عميق من السيدة الشاعرة نور الحرف ، وقد أثرَت فيها الفكر والعقل ، وداعبت المشاعر والأحاسيس ، بكلمات ولّدَت فينا كوامن اعتزاز بأصالتنا وعروبتنا وديننا السّمح المتسامح ، فكان مدادها فيما كتبت كتحرك المويجات الصغيرة وتلاحق بعضها حتى يدرك ما قبله لتصل إلى حالة تواجدنا لترتدّ وتنقل منا طيوبأ وأهزيج أخرى . إنها إبنة مصر ، وعطاء النيل ، عطاءً خيرا" ، وحُلُما لا ينفذ ، وأماني تتوسل أن تكون واقعا" ذات يوم ، فمرحى ومرحى للسيدة الشاعرة أختنا أم أحمد ، ونرجو أن تسمح لنا الأيام بلقاء . اما إن أردت أن أبحر في عالم مكوّن من أصالة المنبت والأخلاق والفضل ، فلعي أعني محرابا" آوي إليه ، محراب تأمّل ، ومحراب كلمات جميلات ، ومحراب تبتّل وغزل إنه بيت الحب والمحبة ، والعمل الدؤوب لرفعة الشأن ، وتنويع مصادر العلم ، والترقي للوصول إلى اعلى الدرجات ، معتمدة على جهد فردي عصامي ، ومتوكلة على من خلقها كي تكون ركنا يتلهف الكثيرين للانضواء في سكونه وطيب أريج عطره . السيدة رغداء آقبيق ، حالةٌ من التبتَل ، وضوء شمعة كله رضى ، لأنه آثر وارتضى أن يوزَع نوره بتساوٍ لينعم بضوءه الرائح والغاد . وليعيش يستمع إلى لحنه كل من سار في طريق اللهفة والايثار، والمودة والمحبة . سيدة اتوق إلى تواصلها ، لأستقي منها خلود الابتسامة ن وسمو التعامل ن وحكمة الصمت ، وصمت التفكير .هي ابنة بلدي . اما من ينحني لها ، فهو أنا فقط ، فأنا رجل لا أحب بأن يشاركني أحد بكلماتي وعواطفي واشعاري ووصفي لهذه السيدة ، رغداء وهي رغداء سيدة يشار لرقتها بالبنان . اما مسك الختام فهي أخت فاضلة ن وماجدة كريمة ، وأما" رؤوم حنون ، تعرف الإلفة والتواضع والشَمم . رأيت فيها وإن كان وصلنا نادرا" أو كاد أن يكون ، رحابة وحب الشام فهي صورة لتألق مجد هذا البلد ، وهو صنو للتواضع الممزوج بأنفة المحبة لشيء كبير كبير . وهذا السر ليس بخاف على أحد ، إنه التراث الدمشقي ، الشامي الذي نبتت منه هذه الأخت الغالية ، والسيدة الكريمة ابنة الشام التي تغنت بالشام ، وافتدت الشام بوجودها ، فكان حقا" على أهل الشام أن يردوا لها بعضا" من فضلها بذكر هذا البلد ، والتغني بأمجاده . إنها ابنة الميدان ، ابنة القنوات ، ابنة الصالحية ، ابنة القيمرية ، ابنة المزة ، انها ابنة حي الأكراد ، إنها ابنة المهاجرين ، إنها ابنة حي القصاع ورقيّه وحضارته . . انقم جميعا" نصفق للأخت الكريمة ، السيدة هناء سعد الدين . أحمد عاصم آقبيق 09/06/2012