الجمعة، 29 يونيو 2012

ولا زلت اعيشها

وكنا نعبر حقول القمح من خلال سنابلها الباسقة ، بملء قوتنا ، وكانت تسبقني ، أو هكذا كنت اتصنّع فيفترُّ ثغرها عن ايتسامة ممهورة بخاتم الروعة . وكنت أرى السعادة في عينيها ، وهي تردد ألم أقل لك بأنك لن تسبقني فانا الأولى دائما" ، مع أني كنت ألمح في عينيها حزنا" عميق حين كنت أتجاوزها ، فتتصرخ بي وهي ورائي ، لا ، لا أقبل أنت غششتني حين قلت لي تمهلي قليلا كي أتحدث إليك . فسبقتني .


كنا نركض ، نفتح ذراعينا قدر استطاعتنا ، نحاول أن نحاكي ارتفاع نسرٍ يجوب عنان السماء ، حتى تنقلب محاكاتنا تلك إلى حلم نتيه به فتنقلب الحقيقة إلى خيال . ولم أكن لأعلم بأن الأيام الجميلة شحيحة ، وأن القدر من طلعه عدم الثبات ، ولم أكن باني سأفتقد بسمتي ذات يوم ، فأيام الهناء . لا تدوم .

قالت : بل بك من شيء ؟ قلت وإمارات الحزن تطبع آثارها على ُمحّياي : لا . فقالت بل بلى . واحتضنتني وارتاح رأسي بين الجيد والترائب . وضعت في عالم سحري من عطر شذاها



وكنا نركض بملء قدرتنا ، نعبر حقول القمح الذهبية ، في وقت تكون فيه الشمس فتيّة ، لم تسطع لتترك بصماتها على وجهينا .وكنت أجلس معها دقائق ، كنت أحسبها دهورا" طويلة ، اترك في خلالها أترك يدي تتسلل إلى مكان يدها وهي تستند برأسها عليها ، كي أتحسسها ، ثم أضع رأسها على صدري ، أهدهده ، كطفل أريده أن ينام . وكنت أنظر في عينيها وكأن قلبي ينبئني بأن سعادتي لن تدوم .

قلت لها ذات مغيب ، وقد ألقت أو كادت الشمس أن تلقي ستائرها على كل نور ، ونحن نجلس أمام جدول صغير يخترق الحقول ، خريره سعادة عمر ، وانسيابه حنان يبحث عن حنان ، بلهفة وترقب: هل ترى تطنين بأن سعادتنا ستبقى لنا كبسمة للزمان ؟ أجابت بعفوية : طبعا" ما دمت معك . وانتهى موسم الصيف ، وكررنا لقاءنا في اليوم أكثر من مرة . وحان وقت الرحيل .

كنت أنظر إليها وهي تركب المقعد الخلفي للعربة . كانت دموعها تنسال على خدودها وكأنها تقول : وكيف تخبُ النار في مقلتنينا .

وغابت في الطلرق الطويل .

وفي صبيحة يوم غير ببعيد ، وأنا أمشي في ذات الطريق الذي تفتحت به أزاهير حبنا ، رأيت صفحة جريدة تتقاذفها النسمات . أمسكت بها ، وإذا بخبر يقول : ( تم الأمس زفاف نجل السيد …… ، على كريمة الوجيه …… ) .

وسقطت الصحيفة من يدي .

الحبُّ غنّانا فأسعدنا

حتى إذا اللحن هَزَّ القلبَ أبكانا

يامن أراه لقلبي واحدا أبدا"

لا أرتجي غيره في الكون إنسانا

يامن حفظت له عهد الهوى أبدا"

هل أنمت باقٍ على ودّي وذكرانا

أم استحلتَ على الأيام ِ نسيانا.

إن غبتَ عني طول العمر مغتربا"

فَوِدُّ القلب.

باقٍ ، حيثما كانا .





أحمد عاصم آقبيق

228/06/2012م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق