الجمعة، 11 يونيو 2010

حماري وأنا

حماري وأنا

شنَّف أذنيه ولم يُجِب. وهز برأسه مرتين ، وكأنه يقول لي : قلت لكم هذا منذ زمن بعيد. لكن غالبيتكم قالت : حمار يتفلسف .

حماري هذا علمني الصبر والسلوى ،وحسن الاستماع ن وصنعة التلقّي. والحلم والأناة ، حتى قالوا عني : أحلَمُ من حماره . والحق ، الحق أقول :

قليلٌ جدا" من الناس من استطيع القول عنهم انهم قد اصبحوا على مسافة قريبة من منزلة التفهُّم والتبصُّر وحسن الأدب وهي بعض من جوامع أخلاق حماري .

طاعة عمياء ، وصمت ٌ مطبق ،واستعداد دائم لمحاورة الشكوى . ودرجات عالية من الخبرة بالناس ومتاعب الناس ، والتعامل مع كل حالة بمفردها . في النهاية جواب متعمّق عميق يمهّد له بطرفة عينٍ ، وهزّة ذيل ، وتحريكة رأس . ومن يلازِم الحمار يفهم .

حماري له مزاجٌ خاص ،وآراء متفرّدة مُلهمة بفن السياسة ، وعلم المجتمع إضافة إلى القدرة العجيبة في فن الإقناع . إضافة إلى الأدب الذي اكتسبه من العبرة التي يأخذها من اختلاف وجهات نظر الجميع . ومع ذا فهو لا يتململ من افعادة وقد أدرك أن فيها إفادة .

فحماري يمتاز عني بتفسير حوادث التاريخ ن واستخلاص العبر والفوائد ، وعدم تكرار السباب المؤدية للتطاحن والتحديات . ما يمكنه من الردّ الذي قد يكون قاسيا" احيانا" لكنه مُصيب ، والمصيبة اني لم اتقن هذا العلم ، وتلك الفراسة .وهيهات أن أفعل فالخوف يقطع الجوف ، واللوذُ بظل جدار خير من التنظير وفنون الخطابة التي قد لا تعجب الماما امريكا ، فينقلونني كما في السحر، من بلاد واق الواق إلى غوانتينامو، حيث لا اتقن الانجليزية وليس معي حماري ليفهم أقوالهم ، ويترجم لي .

بالأمس شاهدت مع حماري أخبارا" متنوعة ، منها ماهو سياسي بامتياز، إذ شاهدت امراة تتبوَء مركزا" رفيعا" وحولها رجالٌ كثيرون يصيخون السمع إليها وهي تشرح لهم مهددة ومتوعدة بان ليس على الشعوب المطالبة بحقها في امتلاك التقنية الحديثة ، وان ليس من المسموح للشعوب استنكار سرقة كبار رجال دولتها ، والشركات فيها لقوت وثروات الشعوب كما يحدث في العراق . رأيتها باسمة في خبر آخر وهي تمسح على رأس طفل في ملجأ للأيتام .

تعجب حماري وهو يهمهم ويتمتم بصوت خفيض قائلا". أليس هذه التي كانت تأمر بقصف الطفال والنساء في بلاد الأفغان ؟ قلت سبحان مغير الأحوال . فأردف : يلزم للبعض مئة عام ليصبح حمار ثم همهم وكشّر عن أسنانه ، وقهقه ورفع ذيله و...



احمد عاصم آقبيق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق