الأحد، 26 ديسمبر 2010

وفي انتظار زيارة

وفي انتظارِ زيارة

مشتاق لحبيبتي …..
ومن أتون الحرب ، ومن معايشة ويلاتها اليومية ، ومن دمار النفس الإنسانية ، ومن تَسَلّطِ مَرضى ، يُقالُ لهم قَادَة ،على مَصَائرِ شعوبٍ وشعوب ، يَدفعهُم إلى ذلك حَمِيَّة ٌ لقصيدةٍ قيلت فيهم ، أو وِسامٌ زَيَّن يَاقَة معاطِفِهِم ، يُذَكِّرهم دائما" برائحة الدم والدمار .
وفي ساحة قتال ، قال صديقي يحادِثني وقد اختلطت نَبراتُ صوته بأزيزِ القذائفِ ساعةَ انفجارها ، فلم تترك للحديث لَبَاقة ، قال لي صارخا" بأعلى صوتِهِ وهو يهم بالانتقال إلى خندقٍ آخر : هل تعلم بأني سأزورُ حبيبتي اليوم . قالها بثقةٍ المتأكِّدِ الفاعِل، أشعر بأني أعيشُ شوقاً جارفاً يدفعني لأن أحاول تَخَطّي بعضاً من أسلاكٍ شائِكةٍ مُكَهربَةٍ تفصل بين بَلَدينا . عفوا، بين بَلدِنا الواحدة التي قسَّمَها الاحتلال . وأردَفَ قائِلاً:
اليوم ، أشعر ُ بأني مسافرٌ بلا حقيبة ، بلا تذاكر قطار ، بلا هوية تُعَرِّفٌ بي ،حيث أن التجوال في بلدي لا يحتاج إلى إثبات هوية .
وقال صديقي متابعا: اليوم سأشتري قيثارة . تراودني حنايا قلبي أن أعزف لها أغنية لطالما حلمت أن ألعب بطولتها ولعل غيابي عنها يساعدني ، أغنية قديمة كان اسمها قَبِّلتي الآن ، أو لا تفعل.فهل ترى أفعل ؟
اليوم فقط أشعر بأن شياطيني تطاردني تزيد من شجاعتي ، تشحذُ هِمَّتي ، تحاول أن ترمي بي خلف تلك السياجات تدفعني دفعا" لأن أفكر بالانتحار ولكن على طريقتي التي أفضِّل . طريقة المقامر الذي يلعب ،كي ينقذ طفلة جائعة ، ويخسر ، ثم يربح رغما" عن الجميع .
ومن خلف الجراح ، ومن خلف رصاصات اخترقت أجسام رجالٍ فَأردَتهُم ، ومن داخل خنادق مبعثرة ، غير مرتبة ، ما كانت لتكون مكان آمنٍ مريح ،سكنها كُرها" شباب لا ينتَمون لواقع يحدث بأي رابط فكري ،سوى أنهم رجال أمروهم فانصاعوا ، وحشدوهم فاجتمعوا ، وألقوا بهم في أتون النار والدمار فاستجابوا . ولكن مع أمل بالعودة يداعب أحلامهم ، البعض زوجة تنتظره ، والبعض أولاد يلوِّحون لمقدمه ، وآخرون كل له وجهة واتجاه ، لكنهم يشتركون في أمل العودة ، حلموا بان لهم إياب …
وغاب صديقي ، لم أعد أراه . وفي يوم من الأيام بعد عدة شهور ، نودي بنا أنكم تستطيعون الانتهاء من لعبة الحرب قيل لنا بأن القادة قالت بأن الحرب ما هي إلا لعبة شيطان ، فلقد تصالحت الأطراف المُتقاتِلة ، وشُرِبَت الأنخاب . واجتمعوا لِيُوَقَّعوا . وفعلوا .
وقيل لنا أوقفوا القتال ، تعانقوا ، احملوا ذلك السياج الذي يحمل بعضا"من أشلاءِ إخوانكم المتحاربين . والذي كان يفصل بين الحب ، والحب .
وهناك . وعند تَلَّةٍ مَنسِيَّة ، وَجَدتُّ خوذةَ رفيقي ، وصديقي ، وقد تشققت بفعل تواتر أيام كنا نحسبها دهور ، ومن مكان رصاصة ثقبتها ، نبتت ساق لوردة حمراء وساق أخرى لواحدة بيضاء . وفكَّرتُ مَلِيا" لأرفعها كي أقبلها ، أشتم منها رائحة من راح ولن يعود .
راح ليغني قَبِّل الآن أو لا تفعل . وما أروعه من منظر لقد التقى الضدَّان ، لون القتل الأحمر ولون السلام البيض. وتحت تراب الألوان ، امتزجت حبات الرمال بندى حبٍ ، ونغمُ افتقادٍ ، وأملُ عودةٍ هنا .لم أجد نفسي إلا ساجدا" أقبِّلُ التراب الذي احتوى رفات صديقي الحالم ، وَكلَّمتَهُ ، لم يجب . غير أني لا زلت أذكر بأنه ينتظر زيارة لحبيب .ترى هل يزوره الحبيب ؟؟؟

أحمد عاصم آقبيق
26/12/2010م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق