الأربعاء، 12 يناير 2011

مشوار

مُشوار
وأمسكَ بيدها .قَرَّبها في لحظةِ ضَعفٍ إلى شفاهه،بينما كانا سائرين في طريق ترابية ضيّقَة .ثم تلفَّت وكأنه يسبر أغوار وحدة الطريق ,ثم قبلها . لم يفكر آنذاك أنه لربما كان يجسد انهيار قواه ، أو قوة انهياره . لم يكن ليفكر في تلك اللحظة بالذي اعتراه فدفعه إلى ذلك التصرف .كل الذي كان يعلمه ، أو كان يعيشه حلاوة الحدث ، ومنطق الرغبة ، والتأمل بجمال تلك اللحظة . فلقد سَعِدَ بالحلاوة جميعه ، وبأقصى ما تحتمل من تفسيراتٍ ومعانٍ .صارع الضراوة التي كانت تمنعه من فعل ذلك ، فهو رجل . والرجل يتحكم بعواطفه ، ويترجم ذلك صرامة على تصرفاته . وكانت في النهاية ضراوة الشوق اشد وقوى ، من أن تهزمها خيالات وأحلام القوة والاعتزاز .
هناك على الطريق الترابية ، كان يرافقهما في المسير صوت حفيف لبعض من شجر ، أو صوت تغريدةٍ من طير الحب ، هناك ، وفي لحظة الصمت تلك ، وكأنه كان يمارس صنعة الاعتكاف مع نفسه ، تأنيبا"لها ، أو تيها" بنصره المؤزَّر وهو لا زال يمسك بيدها . كان غالب مسيره بدون كلام . لعله كان في عتاب مع ذاته ، أو لعله كان ساهما" بتلك اللحظة الجريئة التي ربما كانت أحداثها مجرد أمنية عابرة ، أو شوق قديم .
أما هي . فكانت صامتة أيضا" لم تحاول أن تسحب يدها من قبضته ، كانت بين الفينة والأخرى تدندن بلحن أغنية تحبها ، يقول مطلعها :( أنا لك على طول )
وإن كان صوت دندنتها خفيض ربما كانت تحاول أن تكسر واقع الصمت ، أو أنها تحاول أن تلفت انتباهه إلى شروده ، وكأنها غير موجودة معه . او أنها كانت تسير معاني الصمت المطبق في ذلك الذي أمسك بيدها وقبلها ، تفترض أجوبة لأسئلة تتزاحم متصارعة في أفقها .
وكان يسير بصمت ، كانت تصدر عنة لثانية زفرة ضيق . تشاركها الضيق تعمده ركل ما وجده من حصى" صغيرة كان مختبئة بين تراب الطريق . لكنه في الواقع كان في ملء ذاته يحن إلى تلك التي لا زال يمسك بيدها .والوقت قد قارب المغيب .
وقف وكأنه قد سُمِّر إلى حائط . أدارتها إلى قُبالَتَه بعد أن كانت تسير بجانبه تفرَسَ في عينيها الخضراوين ،ثم ما لبثَ أن اقترب منها ، واقتربت هي بغريزتها التي كانت ترتضي هذا اللقاء.
ترك يدها ثم أحاط كتفاها بمعصميه ، ثم انحنى ليقبل هاتين العينين الرائعتين وكان لسان حاله يترجم سعادته وفرحته بترديد ما يعيش : كم أنت جميلة ، وتسود هنيهة لحظة صمت جديد ، كانت تريد أن تكسره بذكر اسمها الذي لا زال يعيش في معانيه ، إلا أنه يضع أصابعه على شفتيها ، وبردُّ بدلا" عنها : بل حبيبتي .
أشعة الشمس كانت تخترق بعض الأغصان حينا" لتمنح للضوء بعضا" من فرص التمتع بحالة رجل وامرأة . وأشعة الشمس كانت في أحيان أخرى تمنح حالة الحب هذه فرصة جديدة باختفائها وراء بعض الغيوم المبعثرة في السماء ، فيزيد توهجا" وجلالة" ورهبة" ولمعانا" ، أو لربما لتزيد من صوت خفقات قلبيهما التي شهد عليها حضور المكان .
طريقا" ترابية" ، وبعض من أغصان الشجر التي تعيش حالة عناق مستمر ، وحزمة من أشعة الشمس ، يزيد المكان روعة استثنائية جدول صغير أوقف مسيره ليوقع مباركا" ما كان من قبلات لحبيبين .
وقالت :
وأنت حبيبي .


أحمد عاصم آقبيق
12/01/2011م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق